حكمــة اليوم

ثِق بِأَن الْصَّوْت الَهـادِئ أَقْوَى مِن الْصُّرَاخ؛وَأَن الْتَهـذِيْب يَهـزَم الْوَقـآَحّة ., وَأَن التَّوَاضُع يُحَطِّم الْغُرُوْر.

الأحد، 3 أبريل 2011

اول اضراب في التاريخ

.
بقلم/ محمد مقلد

نحن جوعى، مضت 18 يوما بدون طعام" – تشبه هذه الصيحة أصوات عمال مضربين في بلد من بلدان العالم الثالث اليوم، ولكنها في الحقيقة جاءت من أول إضراب سجل في التاريخ، كان ذلك منذ أكثر من 3000 سنة في مصر. وقام بالإضراب عمال المقابر في قرية "دير المدينة" بالقرب من "وادي الملكات" في عام 1151 قبل الميلاد.

شكل عمال المقابر جزءا صغيرا جدا من العمال المؤهلين، وكانوا يتقاضون أجورا جيدة نسبيا، ويتسلمون أجورهم في صورة  حصة من القمح والذرة والسمك والخضروات يعتمدون عليها كمصدر رئيسي للطعام  وكانت هذه الحصة كافية لأن تطعم أسرة مكونة من عشرة أفراد. غير أنهم في حاجة دائمة إلى فائض ليقايضوا به على السلع الأخرى. كذلك كان الكثير من أعمالهم مثل تكسير وخلع الأحجار أعمالا شاقة وكانوا يؤدونها في أجواء لا يمكن تصور درجة حرارتها. وتميز هؤلاء العمال باستخدامهم أدوات معدنية (وخصوصا النحاسية) في بناء وتزيين المقابر الملكية  وكان بين هؤلاء العمال النجارين والمحارين والرسامين المهرة. وعلى غير العادة في ذلك الوقت كان الكثير من هؤلاء العمال يجيدون القراءة والكتابة، ويتأكد ذلك من تلك الكتابات التي تركوها خلفهم واكتشفها علماء المصريات فيما بعد، وعموما فقد عرف عمال المقابر كفرق عمل تعمل مباشرة في خدمة الملك، وكان البعض منهم يتمتع بدخل إضافي من امتلاك قطعة أرض تزرع فيها النساء عندما يكون الرجل في المقابر، البعض الآخر تمتع بدخل إضافي من بعض الأعمال الإضافية مثل صنع الأثاث ومستلزمات الجنازة.اثنان من عمال المقابر كان يتم تعيينهما كمشرفين للعمال، وكانوا يتقاضون أجورا أعلى نسبيا، كما أنهم كانوا يستغلون وضعهم فيقومون بتشغيل العمال سرا لحسابهم الخاص. وكان من المفترض أن يعبر هؤلاء عن رغبات ومصالح العمال غير أنهم كانوا حريصين على ألا يفقدوا امتيازاتهم وحريصين على أن يضمنوا فرصة عمل دائمة لهم ولأبنائهم فيما بعد.

وصلتنا وقائع هذا الإضراب من وثيقة حكومية مدونة على ورقة بردي طولها 91 سنتيمتر (محفوظة بمتحف تورين، شمال إيطاليا) دونها الكاتب " نفر حتب " المسئول عن متابعة تسليم مستحقات العمال في شكل تقرير رفعة للوزير " تا" في طيبة، جاء فيه أن مستحقات العمال التي كانت تصرف من مخازن الغلال قد توقفت، وأنهم أي العمال في بؤس شديد وعلى حافة الموت جوعاً
حدث الإضراب في العام التاسع والعشرين من فترة حكم رمسيس الثالث التي امتدت لأكثر من 30 عاما، وكان طول فترة رمسيس يعني أن الجزء الأكبر من مقبرته قد تم الانتهاء منه، لذا شعر رمسيس بقلة حاجته إلى هؤلاء العمال. من جهة أخرى تعرض نظام حكم رمسيس إلى مجموعة من الضغوط والأزمات فنقص إنتاج القمح بحدة مما أدى إلى تفاقم المشاكل الإدارية كما أن بعض الأقاليم التي كان قد أخضعها في حروب سابقة قد بدأ يفقد سيطرته عليها كما نقصت إلى حد كبير غنائم ومكاسب الحروب.
وكان المفترض أن يتسلم عمال المقابر حصتهم في اليوم الثامن والعشرين من كل شهر، غير أن حصتهم من الطعام تأخرت كثيرا مما أدى إلى تعريض العمال إلى الجوع والعطش والأمراض وتصاعد التوتر في أوساط العمال وبدوا وكأنهم على حافة الفعل.
 وأصبح العمال على وعي تام بأن حكم رمسيس الثالث قد أوشك على النهاية وأنهم إذا ما أرادوا الحصول على حقوقهم فعليهم أن يقاتلوا من أجلها.
في البداية، نظم العمال مسيرة صامتة إلى منطقة المعابد وأوصلوا شكواهم إلى الفرعون، غير أن عمل اليوم الواحد لم يكن كافيا، ففي اليومين التاليين سار العمال إلى المعابد و"أضربوا" للمرة الأولى عن العمل. وأعلنوا "جئنا إلى هنا بسبب الجوع والعطش" "لا طعام ولا ملابس ولا أدوية" "أخبروا الفرعون ربنا الأعلى عن حالنا واطلبوا منه أن يحمي أقواتنا"، وأعلن العمال أنهم لن يغادروا المكان حتى تحل مشاكلهم ، واستمر الإضراب 11 يوما حتى تحقق النصر، ولكنه كان نصرا جزئيا، صحيح أن العمال ولمدة شهرين بعد ذلك كانوا يتسلمون حصتهم في الموعد المقرر، غير أن الكميات أصبحت أقل مما كانت عليه، لذلك دخل العمال في الإضراب لمرة ثانية ولمدة 11 يوم أخرى حتى حققوا ما أرادوا. فأصبحوا يتسلمون حصتهم من الطعام في الموعد المقرر وبنفس الكميات التي اعتادوها، وعادوا إلى العمل.
بعد ذلك بعامين، قتل رمسيس الثالث وتولى رمسيس الرابع الحكم واستقبله عمال المقابر بابتهاج، فالفرعون الجديد يعني بناء مقبرة جديدة بما يوفر لهم فرصة عمل مستمرة فانخرطوا في البرنامج الجديد لبناء مقبرة رمسيس الرابع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق