خبر يستحق وقفة
شهد ميدان رمسيس ظهر أمس أحداث شغب وحالة من الانفلات تسببت فيها مجموعة الباعة الجائلين الذين يفترشون الأرصفة أمام مسجد الفتح وفي جميع أنحاء ميدان رمسيس، وذلك عند تصديهم للحملة التي نظمتها شرطة المرافق أمس لتنظيف الشارع، ورفع الباعة والجائلين وإعادة النظام والانضباط لهذه المنطقة الحيوية.
الخبر يعطينا دلالة من انه لا مفر من فتح ملف الباعة الجائلين في هذه الفترة.
بادئ ذي بدء العشوائية كانت تقريبا سمة كل شئ في مصر و قليلة هي الاستثناءات في ذلك....اوضح مظاهر العشوائية التي نراها كلنا هم الباعة الجائلين و انتشارهم في كل مكان تقريبا بداية من القطارات و محطاتها و مواقف سيارات الاجرة و الشوارع التي تتواجد فيها المحلات التجارية و الحدائق العامة...الخ
و طبعا رغم وجود قوانين تمنع اشغال الشوارع و المرافق العامة لكن لا يحدث تطبيق القانون غالبا او يتم القيام بحملات لازالة الاشغالات ثم ما يلبث الوضع ان يعود الى ما كان عليه.
شخصيا ارفض معاملة الباعة الجائلين على انهم فئة خارجة عن القانون مثل المجرمين و اللصوص و لكن فلننظر لهم على انهم مصريين كادحين لاهثين وراء لقمة العيش و احيانا اراهم كعصاميين مكافحين نظرا للظروف التي يعملون فيها حيث يقفون بعرباتهم في ظروف قاسية من اجل بيع اشياء بسيطة زهيدة الثمن لكن بيعها يمثل انجاز لهم و كثيرا ما اتعجب ان كانت الحصيلة في آخر اليوم تستحق فعلا!!
اما انهم يتورطون في بعض الاعمال اللااخلاقيه فهذا سببه ضغوط الظروف التي يعملون فيها فالحياة و العمل في الشارع قاسية جدا على اى انسان فالشارع كأنه غابة الى جانب انهم يواجهون بالعنف كل ما يهدد رزقهم و هذا تصرف بشري عادي من باب حيل الدفاع النفسية..
و طبعا بطريقة ما فشلت الدولة في التعامل مع قضيتهم و ان كان حل مشاكلهم تماما صعب ان لم يكون مستحيل فوجود الباعة الجائلين ظاهرة عالمية تقريبا حتى ان امريكا فيها باعة جائلين و سندويتشات على العربيات و خلافه لكن الفرق هناك ان مظهرهم حضاري و اوضاعهم مقننة.
اذن الهدف ليس القضاء على ظاهرة الباعة الجائلة فهذا صعب و لكن تقنين اوضاعهم ما امكن و ليس الهدف من ذلك تحسين المظهر الحضاري فقط و لكن للتخلص من العشوائية و الفوضى في الشارع المصري التي يتسببون فيها احيانا..
ظاهرة الباعة الجائلين قد تكون مظهر مميز للبلد في حد ذاتها مثل الباعة الذين يبيعون مشروب العرقسوس في مصر و الذين يبيعون البطاطا على كورنيش النيل و حاليا في ميدان التحرير و رأينا كيف رئيس البرلمان الاوربي سعيد و هو يأكل البطاطا و التقطت له صور للذكرى..>>
و لكن الامر يكون سئ بل قبيح احيانا كما نرى كيف ان القاذورات تتراكم في الاماكن التي يبيعون فيها و تضيق الشوارع على مرور السيارات بل مرور الناس...
بداية لكي نعرف كيف نحل مشاكلهم يجب ان نفكر مثلهم:
اولا ان يقوم احدهم بفرش بضاعته في مكان عام افضل كثير من البطالة او العمل في مهن اخرى اجرها ضئيل و ثابت.
ثانيا انهم يفضلون فرش البضاعة على عربية "كارو" او على الارض او حتى التجول في القطارات و الشوارع لبيعها بدلا من فتح كشك صغير او محل متواضع و ذلك لسبب بسيط توفير نفقات فتح ذلك الكشك و للتهرب من الضريبة و التهرب هنا ليس رفاهية و محاولة للاحتيال و لكن لان دخل الكشك او المحل غالبا لن يكفي لسداد الضريبة و يفيض شئ كربح... و ضف على ذلك ايضا توفير نفقات اخرى كالكهرباء
ثالثا يفضل جميعهم مبدأ "ان يذهب البائع للزبون و ليس العكس" بالضبط مثلما ترسل بعض الشركات مندوبين المبيعات لاقناع الناس بالشراء و تعريفهم بإسم الشركة...يتبنى الباعة الجائلون هذا المبدأ التسويقي الذكي و نجدهم يتجولون او يفرشون بضاعتهم في الامن المكتظة بالناس التي يذهب اليها الناس غالبا لقضاء بعض مصالحهم و اثناء مرورهم قد يتوقف احدهم للتفرج على ما يبيعه الباعة الجائلون و لعله يشترى شيئا.
و لتبدأ الدولة بتلك النقطة الاخيرة و تنشئ الى جانب المرافق العامة اكشاك صغيرة مرخصة عليها ضرائب اقلها و ميسرة لحثهم على استخدامها بدلا من عربات الكارو و افتراش الارشفة التي تشغل الشارع و تسبب الفوضى و الزحام
فمثلا في موقف سيارات الاجرة في قنا و هو موقف كبير انشئ خارج المدينة و به محطات الاتوبيس ايضا و يفترش الارض عدد كبير من الباعة يبيعون كل شئ بدءا من الخضار و الفاكهة الى المناديل الورقية و نظرا لان الموقف و محطات الاتوبيس يرتاده عدد كبير من الناس يوميا فهناك اقبال كبير على هؤلاء الباعة فمع توفر مساحة كبيرة في الموقف لماذا لم تبنى بعض الاكشاك الصغيرة لهؤلاء الباعة تضمن التزامهم بعدم اشغال الطريق و الرصيف..
نفس الشئ في موقف اسوان و لكن هناك بعض العربات التي تبيع سندتشات و بعض السلع الغذائية و لكن مع مشكلة اضافية ان ثمنها مضاعف عن السوبر ماركت العادي و هنا تظهر ايجابيات اخرى لتقنين وضع هؤلاء الباعة و هو اجبارهم على تسعيره محددة و عدم استغلال الزبائن